منح المشرع للدائن الحق في استيفاء حقه من الذمة المالية للمدين عن طريق ما يسمى بالضمان العام للدائنين والذي هو عبارة عن أموال المدين التي تجيز المشرع الحجز عليها استيفاءً لحقوق الدائنين. ويتزاحم جميع الدائنين على هذا الضمان العام لاقتضاء حقوقهم منه، إلا أنه لا يتقدم أحد الدائنين باستيفاء حقه من الضمان العام على الآخرين، إلا إذا كان هذا التقدم في استيفاء الحق معززاً بسند قانوني كأن يكون هذا الدائن مرتهناً لمال أو أموال من هذا الضمان العام، أو يكون القانون رتب بحق هذا الدائن امتيازاً قانونياً يستأثر، بمقتضاه الدائن، باستيفاء حقه كاملاً متقدماً على باقي الدائنين فلا يتراحم معهم. إلا أنه يفترض أن يتعدد أصحاب الحقوق الممتازة لاستيفاء حقوقهم من الذمة المالية للمدين، التي لا تتسع لوفاء هذه الحقوق كلها، فتبرز مهمة ترجيح بعض هذه الحقوق على نظائرها في ترتيب الاستيفاء، أو أن تقسم العناصر الإيجابية لذمة المدين قسمة غرماء، لوفاء هذه الحقوق الممتازة، والذي يتولى بيان الحكم في هاتين الصورتين هو المشرع، لأنه هو الذي يجعل حقاً ما حقاً ممتازاً عن غيره من حقوق الدائنين، وإذا ما ميزه المشرع عن غيره حدّد كذلك مرتبته، وعالج أمر تزاحمه مع غيره من الحقوق الممتازة. إذ يعالج المشرع هذا الأمر ويتصدى له، يضع أولاً ضوابط عامة يستهدي بها في سبيل ترتيب حقوق الامتياز. فالمشرع إذ هو الذي يرتب سلم حقوق الامتياز مرتباً إياها تنازلياً من أعلى السلم نزولاً إلى المراتب السفلى، مراعياً في ذلك دواعي منح هذا الحق أو علة منح حق ما الامتياز على غيره، مما يثقل كاهل المدين بالتزامات، هذه المراعاة التي أساسها صفة خاصة بالدين جعلته أولى بعناية المشرع من غيره من حقوق الدائنين، دونما نظر إلى تاريخ نشوء هذا الحق بالمقارنة باستحقاقات الدائنين الآخرين. أما إذا تزاحمت الحقوق الممتازة التي منحها المشرع في مرتبة واحدة وكانت الذمة المالية لا تقوى على وفائها كلها، فإن المشرع يجعلها تستوفى وفقاً لقاعدة قسمة الغرماء أي بنسبة كل منها إلى مجموعها. هذا الامتياز القانوني هو موضوع هذا البحث والذي سنتناوله في مبحثين المبحث الأول: معنى حقوق الامتياز وسند مشروعيتها والمبحث الثاني: تزاحم حقوق الامتياز من حيث تزاحمها فيما بينها، أو تزاحمها مع غيرها من الحقوق المضمونة برهون.

---

المجلة: مجلة جامعة جرش